-A +A
نايف الرشدان
لايزال القوم اليوم يرددون مثلا كان يردده أجدادنا (الكرم مغطي العيوب)! وليس التعجب من تكرار رجعه، بل من التحولات التي طالت المعنى. فالتطور الدلالي للمثل تجاوز به المفهوم الحقيقي حين كان الكرم في الماضي سخاء لا تساخيا ، وكرم القديم أصدق من الجديد: وذلك لأمرين :
1ــ إن دليل الكرم كان واضحا بما يتبعه من صفات جميلة، كالنخوة والشهامة والإيثار والوفاء .

2ــ إن المطامع والمطامح لم تكن ظاهرة. فالكريم ذلك الوقت يعد من أهل الجاه والمكانة حتى وإن كان فقيرا.
أما لماذا يغطي الكرم عيوب أهل العصر الماضي أكثر من أن أهل العصر الحاضر فلملمحين :
1 ــ العيوب التي يمكن تغطيتها قديما ليست بحجم العيوب التي نراها اليوم
2 ــ إن الكرم قديما كان خلوا من النوايا الركيسة والوصولية المقيتة.
ولإضاءة هذين الملمحين :
1ــ العيوب إما خلقية جسدية لاحيلة للمرء فيها، أو خلقية سلوكية يتفاوت حجم المسؤولية عنها، والعيوب المقصودة كانت قديما على مستوى أخف بكثير من مستواها المعاصر. أما من تجاذبته سوءات الظلم والكذب والنفاق والتعدي على الحقوق والتفريق بين الاثنين والخوض في الذمم والولوغ في الأعراض فأنى تغطى عيوبه !!
2 ــ الكرم كان عطاء محضا وبذلا خالصا، لم تلحقه شائبة البحث عن جاه أو مطلب أو مغنم أو مديح أو غايات معترضة، فهو كرم نفس لا كرم يد. وأما من لم يكن كرمه حقيقيا فسيكشفه أمران: إما يأسه من بلوغ مطمحه أووصوله إلى مطمعه (صلى المصلي لأمر كان يطلبه : لما انقضى الأمر لاصلى ولاصام) من كان كرمه معارا فسوف يتعرى بعده.
والكريم الحق من (يضحك حجاجه) لضيفه ولو كان ليس له حظوة في قلبه . فيستقبله بالابتسام والخلق الكريم. أما الغالب في عصرنا أن الكرم ليس إلا لمن له مقام ومحبة ومنزلة: وذلك لا يشف عن كرم أصيل .
وإذا كتب له أن يفعل شيئا مجاملة لأحدهم قابله بالتجهم والشعور باستثقاله فأنى يعادل كرم الأولين الذين كان واحدهم يتكرم عن قل ويبذل مع عوز بطيب نفسه وبخور أنفاسه .